في الوقت الذي كان ملايين العراقيين يتابعون بشغف مباريات كرة القدم لكأس الخليج العربي التي اقيمت في البصرة في الأيام القليلة الماضية كنت مشغولا برصد ودراسة جانب آخر غير رياضي من هذه الفعالية الرياضية المهمة وهو الجانب السياسي وبعض مظاهره من إعلامية وشعبية
فالعراق بشكل عام والبصرة تحديدا لم يطرأ عليهما تغييرات كبيرة خلال السنين القليلة الماضية بحيث يصبحا عنوانا للنجاح في التنظيم والأخلاق ومنها الكرم أو في قوة الإنتماء للعروبة وفي كون العراق مهد الحضارات القديمة لكن الأمر الجديد ليس في العراق لكنه في مكان آخر وفي النظرة إلى العراق وهو موضوع غاية في الاهمية ولم يحظ بالدراسة والاهتمام اللازمين ذلك هو الموقع الجيوبوليتيكي للعراق وهنا اعتذر لإضطراري لذكر المصطلح الاجنبي دون العربي وهو مالا افضله في العادة لكن المفردة العربية المقابلة لاتعطي للمصطلح معناه الحقيقي .
لقد كتبت على صفحات المدى أكثر من مرة وكذلك في صحف أخرى وأكثر في لقاءات تلفزيونية حول أهمية الموقع الجيوبوليتيكي للعراق كأساس لعمل اي حكومة في عملها لإستعادة السيادة الكاملة للعراق وفي لعبه دورا مؤثرا على دول الإقليم بدلا من تأثير دول الاقليم غير المتوازن عليه..لقد كتبت ولازلت اؤمن أن العراق ولاسباب لامجال لتفصيلها هنا كيان سياسي غير مرحب به من الولايات المتحدة التي تعاديه بغض النظر عن حكامه ومن معظم دول الاقليم التي طالما رأت فيه خطرا عليها لأسباب بعضها له علاقة بظروف تلك البلدان أكثر مما له علاقة بالكيان العراقي ، وكل ذلك لأسباب جيوبوليتيكية فالولايات المتحدة ناصبت العراق العداء منذ عقود وراوغته إلى أن سمحت حماقات صدام لها باستدراجه للفخ أما دول الاقليم فهي بين غير معترف بشرعية وجوده ككيان لأنها تعتقد أنه يجب أن يكون كله أو جزء منه ملحقا بها وهذا حال إيران وتركيا أو إعتبار تركيبته السكانية التي حكمت توجهات شعبه وخياراته (اليسارية)بما لايتلائم مع دول مثل السعودية والاردن أو لوجود إشكالات وجودية لدى دولة مثل الكويت مع الكيان العراقي لذلك ومنذ إحتلال العراق 2003 وسقوط نظام صدام عملت كل هذه الدول منفردة واحيانا مجتمعة على إضعاف العراق وعدم إستعادته لقوته وعافيته حتى وصل الامر بالبعض لمحاولة إنهاء وجود العراق أو تذويبه بآجراءات وسياسات ثم بتنظيرات عن كونه كيان إصطنعه الانكليز أو أنه يضم مكونات متنافرة لايمكنها أن تصبح كيانا سياسا واحدا وقد كتبت بالذات عن هذه النقطة القاتلة بصفتها ذاتها أحد نقاط القوة لدى العراق هو مايثبت صحته اليوم فالولايات المتحدة ذاتها صاحبة الثأر من العراق اليساري والذي رأته دائما كيانا معاديا لمصالحها ومهددا لامن حليفها الأهم في المنطقة إسرائيل إستشعرت الخطر من المضي في تفكيك البلد وتقسيمه كما كانت تخطط بسبب العواقب الخطيرة والمكلفة وكذا الامر على الدول العربية وبالذات دول الخليج العربية التي عزلت العراق وبذلت الجهود والاموال لإضعافه .
ان العقدين الماضيين أثبتا أن مخاطر ضعف العراق ناهيك عن إنهياره أخطر كثيرا من مخاطر قوته ونديته ، لان الوضع الجيوبوليتيكي للمنطقة كلها إختل وإختل معهم الأمن الخليجي فكان لابد من عودة الوجود العراقي الفاعل كدولة وكيان سياسي فاعل لاغنى عنه للجميع بضمنهم حتى بعض اعداءه الحاليين..
إن على العراقيين جميعا وليس الحكومة فقط العمل على علاقات أوثق مع دول الخليج وغيرها من الدول العربية مع التأكيد على عدم التفريط بعلاقات عراقية ايرانية جيدة وهي معادلة ستواجه صعوبات كبيرة لكنها تبقى ممكنة بل واكيدة التحقق إذا ادرك صاحب القرار السياسي العراقي أهمية ذلك ورتب اولوياته بشكل صحيح..